الأربعاء، ٣٠ يناير ٢٠٠٨

عريس البحر المنبوذ (ماثيو أرنولد) ترجمة محمد عبدالحي

تعالوا - أيا صغاري الأعزاء - لنبتعد من هنا
نغوص ، و لأبعد مدى
فالآن ينادي أخوتي المنتظرين بالخليج
الآن تهب الرياح الرائعة قبالة الشاطيء
الآن تنساب الأمواج المالحة منحسرة إلى البحر
الآن تأخذ الخيول البرية البيضاء في اللعب
تتعاض و تتشاحن و تتمايل مع رشات الموج
أيا صغري الأعزاء .. لنبتعد من هنا
وها هو الطريق .. ها هو الطريق


فلتنادوها مرة قبل أن ترحلوا
فلتنادوها الآن
بصوتكم الذي سوف تعرفه
" مارجريت .. يا مارجريت "
ينبغي لصوت الأطفال أن يكون عزيزا
فلتنادوها مرة أخرى - على أذن الأم -
: أصوات الأطفال و قد توحشت بالألم
"!! يالتأكيد ستعود ثانية "
فلتنادوها مرة و لنبتعد
و ها هو الطريق .. ها هو الطريق
أمنا العزيزة .. أنا لا نستطيع البقاء "
" فالجياد البرية البيضاء ترغي و تزبد
مارجريت .. يا مرجريت


تعالو - أيا صغاري الأعزاء - لنغوص مبتعدين
و لا تنادوها ثانية
فلتلقوا نظرة واحدة و أخيرة على المدينة ذات الحوائط البيضاء
و الكنيسة الرمادية الصغيرة على الشاطيء العاصف
ثم غوصوا
فهي لن تأتي ولو ناديتم طوال النهار
ولنبتعد .. لنبتعد


أيا صغاري الأعزاء .. أكان ذلك أمس
أحقا سمعنا الأجراس العذبة عبر الخليج
في الكهوف حيث كنا نتمدد
عبر سطح المياه ، وخلال الموج
أسمعنا الصوت البعيد لجرس فضي
في الكهوف المفروشة بالرمال - الباردة العميقة - حيث
الرياح قد نامت تماما
حيث الأضواء الخافتة ترتعش و تومض
حيث تتمايل أعشاب البحر مع التيار
حيث تتغذى الحيوانات البحرية - متحلقين في دائرة - على
الرواسب في أرض مرعاهم
حيث تتحلزن ثعابين الماء و تتضافر
و تجفف حراشفها و تستدفئ في المياه شديدة الملوحة
حيث تعبر الحيتان الضخمة مبحرة
تبحر ، وتبحر - دون أن يغمض لها جفن - حول العالم
و إلى أبد الآبدين
متى مرت الموسيقى من هنا
- أيا صغاري الأعزاء -
أكان ذلك أمس ؟


أيا صغاري الأعزاء .. أكان ذلك أمس
فلتنادوها مرة أخيرة - عندما ذهبت ؟ -
ذات مرة كانت تجلس معكم و معي
على عرش من الذهب الأحمر في قلب البحر
بينما أخذت صغراكم على ركبتيها
تمشط لها شعرها ، وتعقصه لها بإحكام
عندما هبط ألينا متهاديا صوت الجرس البعيد
فتنهدت ، و نظرت لأعلى عبر البحر الرائق .. قالت
يجب أن أذهب للصلاة مع قومي
في الكنيسة الرمادية الصغيرة على الشاطيء .. اليوم
أنه سيكون عيد الفصح في العالم كله .. حسرة علي
بينما أنا أخسر روحي المسكينة - أيا عريس البحر - هنا بجوارك
قلت : فلتصعدي - أيا حبيبتي - عبر الأمواج
ولتتل ِ صلواتك ، ثم عودي إلى كهوف البحر الطيبة
فابتسمت هي ، وانطلقت صاعدة عبر السطح إلى الخليج
أيا صغاري الأعزاء .. أكان ذلك أمس ؟


أي صغاري الأعزاء .. ألنا كثير وحدنا ؟
إن البحر يثور ، و الصغار يبكون
و قد طالت الصلاة - هكذا قلت - في العالم الذي يقولون عنه
تعالوا .. هكذا دعوتهم ، و صعدنا عبر السطح إلى الخليج
مجتازين الشاطيء إلى المنحدر الرملي
حيث تزهر مخلفات البحر للمدينة ذات الحوائط البيضاء
و خلال الشوارع الضيقة المبلطة ، و التي قد سكن فيها كل شيء
إلى الكنيسة الرمادية الصغيرة على التل العاصف
من الكنيسة أتت إلينا أصوات القوم الذين يتلون صلواتهم
لكننا و قفنا في الخارج وسط هبوب الرياح الباردة
و تسلقنا القبور ؛ على الشواهد الصخرية التي أبلتها الأمطار
فاستطعنا أن نرى ممشى الكنيسة المؤدي للمذبح عبر أسياخ السياج المطلية بالرصاص
كانت تجلس بجوار العمود .. لقد رأيناها بوضوح
" مارجريت .. بست ، تعالي بسرعة .. أننا هنا "
" يا حبيبتي - هكذا قلت - أن لنا كثير وحدنا "
" والبحر يثور ، و الصغار يبكون "
لكن آه .. أنها لم تمنحني ولا حتى نظرة
فعيناها كانتا ملتصقتين بالكتاب المقدس
و القس أخذ يرتل بصوت عال ، و صفق الباب في و جوهنا
فلنبتعد أيها الصغار ولا تنادوها ثانية
فلنبتعد ، ولنغوص ، ولا تنادوها ثانية


نغوص ، نغوص ، نغوص
نغوص لأعمق أعماق البحر
أنها الآن تجلس إلى عجلتها في المدينة المهمهمة
تغني في قمة السعادة ،
أسمعوا ماذا تغني : " ليعم الفرح .. ليعم الفرح
بالشارع المغمغم ، و الطفل لاهيا بلعبته
و القس ، و الجرس ، و البئر المقدسة
بعجلتي التي أغزل عليها
" ولنور الشمس المبارك
و هكذا تغني جهد طاقتها
تغني في قمة سعادتها
إلى أن يسقط المغزل من يدها
و تسكن عجلتها الطنانة
فتتسحب إلى النافذة ، وتنظر إلى الرمال
ثم تتجاوز الرمال إلى البحر
حتى تستقر عيناها على نجمة
و هناك .. أبدا لآ تتنهد
و هناك .. أبدا لا تذرف دمعة
من عيون غامت بسحب الحزن
و قلب مفروش بالأسى
تنهيدة طويلة .. طويلة
على عيون باردة ، غريبة لعروس بحر صغيرة
و تلألوء شعرها الذهبي


فلنبتعد .. فلنبتعد بعيدا أيها الأطفال
وتعالوا أيها الأطفال .. تعالوا لنغوص
الرياح بصوتها الأجش تهب باردة
فتسطع الأضواء في المدينة
و سوف تهب هي من نعاسها
عندما ترج العواصف الباب
سوف تسمع الرياح تعوي
سوف تسمع الموج يزأر
أما نحن فسنرى
بينما الأمواج فوقنا تزأر و تدوِّم
سقف من الكهرمان
و أرض من اللآلئ
مغنين : "هنا .. قد أتت ألينا أنسانة فانية
لكنها كانت في قمة الجحود
و هكذا سنقبع في وحدتنا إلى الأبد
" نحن ملوك البحر
لكن - أيها الأطفال - عند انتصاف الليل
عندما - ناعمة - تهب الرياح
و - صافيا - يسقط ضوء القمر
و يكون المد الربيعي منخفضا
و الهواء العليل يهب ناحية البحر
من المروج المتلألئة بالأزهار
و الصخور العالية تلقي بخفة
على الرمال الشاحبة بعض الظلال
من مكاننا على الشواطيء المتلألأة
من الخلجان حيث نتمدد
من فوق الشواطيء المغطاة بأعشاب البحر اللامعة
و قد تركها المد المنحسر حافة
سوف نحدق من فوق تلال الرمال
في المدينة البيضاء النائمة
في الكميسة الواقفة على التل
: ثم نهبط لنغوص من جديد، مغنين
هناك .. تقبع لنا محبوبة "
لكنه في قمة القسوة
فهي تركتنا إلى الأبد في الوحدة
" نحن ملوك البحر